المادة    
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم تكن له صاحبة، ولم يكن له شريكٌ في الملك، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجا، وأمره بأن يقول للذين جعلوا لله ولدا: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُون))[آل عمران:64].
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وحطم الأصنام وقضى على الطواغيت ورفع راية التوحيد, وأعز الله تبارك وتعالى به ملة إبراهيم ودين إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط الذين كانوا جميعاً لا يعبدون إلا الله، ولا يؤمنون إلا بالله وحده لا يجعلون له صاحبة ولا ولدا.
ثم أما بعد: فإن الموضوع الذي نريد الحديث عنه في هذا الدرس -نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا في ذلك، وأن يتقبل منا ومنكم- هو تكملة لحلقة تقدمت عن هذا الكتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وما منكم إلا ويعلم أن هذا هو عنوان الكتاب العظيم الذي ألفه وكتبه الشيخ الإمام العلامة المجاهد شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية, رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه وجزاه خير الجزاء على ما قدم لهذه الأمة من جهود في كل ميدان من ميادين العلم، وما رفع الله تبارك وتعالى به من رايات الحق، وما نكَّس بكتاباته وبعلمه من رايات الباطل، وهذه هي الحلقة الأخيرة في هذا الموضوع.
وإن الموضوع أو المشروع الذي نتحدث عنه في هذا الدرس هو منكم وإليكم, وتعلمون جميعاً أننا قد ذكرنا أكثر من مرة أن كل أخ لديه أي اقتراح أو فكرة لمقاومة التنصير ومجابهته فليتقدم بها, وقد جمعت بالفعل, وقد أفدت منها فائدة عظمى, وأشكر كل أخ بذل جهده وكتب لنا شيئا من ذلك، وأشكركم جميعاً على تعاونكم وعلى غيرتكم في هذا الشأن، وانبثاقاً وانطلاقاً من واقع نعلمه ونشهده هنا من أعمال التنصير وجهوده ومما اقترحتم وكتبتم -وفقكم الله جميعاً- كان هذا المشروع وبرز, وسوف نحدثكم عنه إن شاء الله في آخر المحاضرة.
  1. تحريف الدين النصراني

    إننا نواجه غزواً فكرياً وسلوكياً عظيماً جداً يقوم به هؤلاء الوثنيون، يدَّعون الإيمان بالمسيح عليه السلام وهم منه براء, وهو منهم بريء يجعلون لله تبارك وتعالى ولدا، ويقولون: ((إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)) [المائدة:73] ويقولون: ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ))[المائدة:17].
    واتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله، فهذه العقائد الوثنية المرفوضة، والتي بيَّن علماء الأديان والمؤرخون قديماً وحديثاً أنها ليست من عند الله تبارك وتعالى في شيء وشهد بذلك كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالبحوث جميعاً تُجمِع على أن ما يعتقده هؤلاء هو من بقايا الوثنيات السابقة التي أدخلها عليهم بولس الذي كان يسمى شاؤل اليهودي، فغير الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام، ومع ذلك فإنهم مع شركهم ووثنيتهم وإلحادهم وسبهم لله تبارك وتعالى وقولهم فيه ما لم يقله أحد إلا من شابههم من قبل من المشركين الأولين -مع ذلك كله- فإنهم أشد الأمم في الأرض اليوم حرصاً على نشر هذا الدين الباطل.
    و أعجب من ذلك أنهم أشد ما يكونون نشراً له وحرصاً على تبليغه في بلاد المسلمين، بين المؤمنين الموحدين الذين يشهدون: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وهم يريدون هذه البلاد بالذات.
  2. جهود التنصير قديماً

    وأذكر عن جهودهم في تنصير العالم الإسلامي أمثلة عابرة، وسوف ينصب الحديث عن جهودهم في تنصير هذه الجزيرة بالذات، ومدينة جدة على وجه الخصوص، فمتى بدأ هذا العمل؟
    من الناحية التاريخية: نجد أطماعهم قديمة للدخول في هذه البلاد، ففي أيام الحروب الصليبية حاولوا ذلك مراراً, وأوضح مثالٍ على ذلك أن إحدى الحملات الصليبية في أيام صلاح الدين رحمه الله استطاعت أن تدخل إلى ميناء ينبع, ومن هنالك اقتحم بعض أفرادها الجبال وتوغلوا فيها، وحاصرهم المسلمون، وأُبيدوا عندما وصلت طائفة منهم قرب مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وكان غرضهم إغاظة المسلمين، بنبش قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإحراق جثته قاتلهم الله وقبحهم، ولكن خيب الله فَأْلَهُمْ وظنهم.
    ومن هنا انصب اهتمام صلاح الدين رحمه الله على تقوية الموانئ الإسلامية على البحر الأحمر بجانبيه الشرقي والغربي، وينتهي عهده، ويأتي بعد ذلك بأمد عصر المماليك، وتبدأ أوروبا تفكر في الالتفاف حول العالم الإسلامي عن طريق الكشوفات والرحلات التي ابتدأها البرتغاليون، ومن هنا ظهرت لهم فكرة جديدة، وهي الدخول إلى جدة واحتلالها، ومن ثم اقتحام مكة والمدينة.
    وقد حاول البرتغاليون ذلك في زمن المماليك ثم في زمن الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية تصدت لهم، وهذا من أعمالها المشكورة في التاريخ، ولما عرفت هذه الأطماع أعلنت أن البحر الأبيض المتوسط كله بحيرة إسلامية، وأن البحر الأحمر كله بحيرة إسلامية، ومنعت دخول السفن والبواخر النصرانية في البحر الأحمر من أوله إلى آخره، ووسعت ميناء عدن، وجعلته مقراً لاستقبال كل البواخر التي تقدم من أوروبا وغيرها للنصارى، وآخر مدى يمكن أن تصل إليه سفنهم هو ميناء المخا في اليمن جنوب الحديدة، ولا يمكن أن يتعدوا ذلك شمالاً؛ بل يفرغون حمولتهم في سفن إسلامية تحملها إلى جدة أو ينبع أو السويس حتى لا يقربوا البحر الأحمر بتاتاً.
    وكذلك عملت الدولة العثمانية على ألا يدخلوا الخليج مطلقاً, فبذلك استطاعت أن تحفظ الجزيرة بحرياً، لأنهم لم يستطيعوا في ذلك الحين أن يدخلوها أو ينفذوا إليها.
    وظل هذا العمل حتى سقطت الدولة العثمانية، وجاء الاستعمار الذي خلفها، وجاءت الحملات الصليبية تحت رايات الاستعمار الجديد, وحينئذٍ عادت إلى أذهانهم فكرة اقتحام هذه الجزيرة، وهذه الأماكن المقدسة، وجاء المُنَصِّر المشهور الذي لا يخفى اسمه على أحد في عالم التنصير والذي باسمه اليوم تسمى كليات ومعاهد في التنصير في أمريكا وغيرها وهو زويمر، فجاء بالفكرة وأحياها، وأراد أن يتخذ من جدة مقراً له في أواخر الدولة العثمانية, وفي ظل الحكم البريطاني الذي كان يدعي المهادنة والمصادقة للدولة العثمانية، فلم يستطع الإقامة في جدة؛ لأن هذه البلاد من طبعها في تلك الأيام أن ترفض كل من لا يدين بالإسلام، ليست الحكومات بل الشعوب، وعلم أن كثيراً ممن جاءوا إلى هذه الجزيرة من قبله قد قتلوا ورجموا, فرجم بعضهم في اليمن, ورجم بعضهم في نجد, ورجم بعضهم في الحجاز، ولم يستطع أحد أن يدخل هذه الديار إلا من تزيَّا بزي المسلمين، وادعى أنه اعتنق الإسلام ودخله, وكثير من هؤلاء دخلوا تحت شعار وستار اكتشاف جزيرة العرب.
    ولكم أن تقرءوا الكتاب المعروف الذي حققه وأخرجه حمد الجاسر بعنوان (اكتشاف جزيرة العرب) يعتبرون ذلك اكتشافاً، منهم بلجراف وهوجارث، ومنهم كذلك امرأة تدعى جروترد بل وكانت نائبة للمندوب السامي في العراق, وأمثالهم ممن كانوا يجمعون بين الجاسوسية والتنصير تحت شعار التنقيب عن الآثار.
    وكان زويمر يعلم أن من تقدموه لقوا حتفهم ولاقوا مصيراً غير حسن, فبدأ عمله في البحرين، وقال كلمة مشهورة، قال: ''عن طريق الخليج نستطيع الوصول إلى الحجاز'' فبدأ العمل في البحرين، وأسس هنالك مركزاً للتنصير الذي لا يزال إلى اليوم من أكبر أوكار التنصير في جزيرة العرب، وكانت تحت حكم الإنجليز، فبدأ زويمر هنالك عام (1905م)، ثم عقد في عام (1910م) مؤتمر أدمبره في بريطانيا، وهو مؤتمر ضخم مشهور كبير جداً، وكان من أهم المواضيع التي عقد من أجلها كيفية الدخول إلى الحرمين واقتحامهما، وأعاد زويمر في المؤتمر الفكرة وطرح الموضوع وقال: لا بد من ذلك، واقترح لذلك أن ينشأ تحت الانتداب البريطاني وفي ظله معهداً خاصاً للتنصير في جدة، لأنها كما قال: بوابة مكة والمدينة؛ ولكن المشروع أيضاً تعثر، وكانت الأحداث التي جاءت من بعده وهي الحرب العالمية الثانية جديرة بأن لا يفتح وينفذ هذا المشروع، ولكن العمل استمر في الجانب الآخر -أي في الخليج- فأنشئوا في الكويت وأنشئوا في الموانئ التي تسمى الآن دولة الإمارات مراكز تنصيرية، وكذلك في البصرة في جنوب العراق.
    فكانت جدة كما ترون هي محط أنظار هؤلاء، ولكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إليها في ذلك الحين، فبقيت لديهم محفوظة في قلوبهم، لكنهم لم يستطيعوا ذلك عملياً إلا عن طريق السفارات أو القنصليات؛ أما الوسيلة التي اتخذوها للتنصير في الخليج، فكانت قوية وفعالة، وكان من أعظم الوسائل في ذلك أنه عندما تفجر النفط في المنطقة الشرقية، جاءت الشركات الأمريكية الأربع،التي وحدت باسم أرامكو.
    وعندما جاءت أرامكو جاء معها المنصرون والمستشرقون، بل إن الذي أبرم العقد أول الأمر وجاب المنطقة كان مستشرقاً يتكلم اللغة العربية، ودرسها في بلاد الشام مع الإرساليات التنصيرية، فهو من المستشرقين، والشريط الذي توزعه شركة أرامكو عن تاريخها ونشأتها يظهر فيه ذلك بوضوح.
    ولما نزلت أرامكو بَنَتْ أكبر مستوطنة تنصيرية في العالم، وإلى الآن لا يوجد أكبر منها، وتبلغ مساحتها حوالي 160 كيلو متر مربع، ولها منفذ على البحر، ولا يستطيع أحد أن يدخل إليها إلا من يريدون، وكانوا يمارسون كل شعائر دينهم كما يريدون، ويخططون كما يريدون، ولا أستطرد في ذلك، لكن أذكر لكم مثالاً واحداً مما عملته شركة أرامكو أول ما نزلت، وهو يبين أنها لم تكن مجرد شركة بترول، وذلك أنها أرسلت مندوبيها لجمع المخطوطات، فكانوا يتجولون في المساجد: في المنطقة الشرقية, وفي الرياض, وفي القصيم، وفي مناطق أخرى، حتى جمعوا كل ما وجدوه في المساجد أو عند بعض الأشخاص, وشروا المخطوطات بثمن بخس، وجمعت جميعاً في مكتبة أرامكو في الظهران، وأرسل بعضها إلى مكتبة الكونجرس في أمريكا ولا تزال هنالك، فهي شركة ذات عمل مزدوج، وكان لأتباع زويمر والقائمين على منهجه اليد الطولى في أن تظل مستوطنة كبرى لهم، ينفذون من خلالها إلى الخليج كله، وتحت ستار وشعار البترول، لكنهم يعملون في حذر شديد جداً، وبشكل سري لا بشكل مكشوف؛ لأنها وصية بولس لهم، عندما كانوا في ظل الاضطهاد الروماني، قال لهم بولس في رسائله: ''إذا عجزتم أن تكونوا وعّاظاً، فكونوا من صانعي الخيام'' فاذهبوا إلى القرى والأرياف، وكأنكم تصنعون الخيام وتبيعونها، وعظوهم بهذا الدين ومن هنا أصبح المصطلح المشهور عنهم، وهو صانعو الخيام، أو الخيامون.
    وليست الخيام وحدها، بل أي عمل, أو أي حرفة, أو أي مهنة فهي داخلة تحت وصية بولس، فدخلوا بهذا الاتجاه، ولذلك اسألوا أي موظف من قدماء الموظفين في الشركة، كانوا يحرصون على النصراني، إن كان مصرياً أو سورياً أو ليبياً أو عراقياً قبل أي عربي غير نصراني، حتى في الهند تجد أن كثيراً من موظفي أرامكو الهنود نصارى, رغم أن النصارى في الهند لا يشكلون إلا واحداً بالمائة من السكان، لأنها شركة تنصيرية، ومكتبها في نيودلهي يشترط بأن يكون المتقدم نصرانياً في الدرجة الأولى.
    كانت هذه هي المركز الوحيد, حتى شاء الله تعالى وجاءت الطفرة الهائلة في هذه البلاد جميعاً, والقفزة العمرانية, والتوسع الكبير في الحياة الدنيا ومباهجها, ومفاتنها، وهي نعمة لا شك والحمد لله على ذلك، لكنها في جانبها الآخر نقمة.
  3. جهود التنصير حديثاً

    عندما جاء عام (1395هـ) بعد ارتفاع أسعار النفط، وما بعدها من الأعوام، بدأ الناس يتوافدون على هذه البلاد من جميع الأقطار, وفتحت الأبواب على مصراعيها؛ مع أنهم كانوا من قبل كذلك, لكن الانفتاح الكبير إنما حدث بعد هذا التاريخ، وكان أكبر مقر وأكبر مركز لهذا الانفتاح هو مدينة جدة بالذات، فسكنوها بمختلف الأديان والألوان والأجناس، حتى أصبح المسلم غريباً فيها، ولا أحد منكم إلا وهو يذكر ذلك، وإلى الآن هناك أماكن كثيرة من جدة أنت غريب فيها، لكن قبل بضع سنوات كنت إذا مررت في شارع قابل، أو شارع الملك عبد العزيز أو غيرها، ورأيت إنساناً يلبس شماغاً، فإنك تراه غريباً بينهم؛ لأنهم كانوا أكثرية، وجاءوا بتخطيط عميق وبعيد المدى، ومن هناك بدءوا يعملون في أكثر من مجال، لم يعد في إمكاننا أن نحصر المجالات التي بدأ التنصير يعمل أو يشتغل فيها, سواءً على الطريقة المكشوفة, أي: طريقة الدعوة السافرة الصريحة إلى دينهم، أم على طريقة الخيامين التي هي الدعوة المبطنة المتسترة التي تدخل إلى الناس وهم لا يشعرون، والتي من أساسياتها أن يخرج المسلم من دينه، هذه المرحلة الأولى, ثم بعد ذلك يدخل الجيل الثاني أو الثالث في دين النصرانية، لكن الجيل الأول مهمتهم معه أن يخرج من الإسلام وينسلخ منه, ويتزيا بزي الحضارة الغربية ظاهراً وباطناً.
    وعندما توسع وانتشر هذا أصبح المسلم يحار! وأصبح في غربة! لا يدري كيف يقاوم هذا؟! لا يدري ماذا يفعل بهؤلاء الناس؟!
    فكثير منا أطرقوا رءوسهم, وقالوا: لا حرج في هذا وكثير لم يهتموا بالموضوع, لأن همهم هو الدنيا، حتى إن البعض إذا قيل له: لِمَ لَمْ تأت بعمال من المسلمين, يقول: يهمني إنجاز العمارة، أو المشروع، والمسلمون يصلون ويعتمرون وهم يتأخرون في العمل, لكن هؤلاء جادون في العمل!! فأهم شيء عند كثير من الناس الدنيا! وأصبحت الدنيا عندهم أعظم من الدين! والعياذ بالله، وصدق فينا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {دينار أحب إلى أحدهم من صلاته} وفعلاً صارت هذه القاعدة في تلك الأيام، ولا يزال لها أثر إلى اليوم، فتوغلوا في كثير من مجالات الحياة قبل أن تفيق الصحوة الإسلامية وتبدأ تمارس بعض المجالات الدعوية التي شهدتموها جميعاً, والحمد لله.
    وعندما تأتي للدعوة إلى الله في هذا البلد, وقد قرأت في الكتب عن التنصير وأعماله، تفاجئ وأنت ترى هذه الأعمال أمام عينيك مكشوفة وواضحة في قطاعات كثيرة!! حتى إنني فكرت مرة, وقلت: لماذا لا نعرض على الإخوان بعض الإحصائيات عن الشركات التي يديرها نصارى؟ ثم قلت لنفسي: قد نكون بهذا العمل مثل الذي يعد نجوم السماء أو يعد موج البحر..!
    هل أستطيع أن أحصي الشركات في جدة وحدها التي يديرها ويرأسها بالكامل مدراء نصارى، ولا يوظفون إلا نصارى، ويمنعون الشاب المسلم أو العمال المسلمين من الصلاة؟! لا أستطيع ذلك أبداً!! رغم ما جمع لدي من حقائق في هذا، فقلت: لا يمكن أن نستطيع ذلك، ولا نضيع وقت الإخوان بالحديث عنهم, أو ذكر أسمائهم أو أعمالهم أو وظائفهم, لكنها موجودة ومعروفة؛ إنما الذي يمكن في الجملة أن نشير إليه هو أوكار التنصير.
  4. أوكار التنصير

    فمن أوكار التنصير المستشفيات: وهي كثيرة جداً في جدة كما تعلمون، منها المستشفيات العسكرية, التي تديرها شركات من هؤلاء القوم، ومنها المستشفيات الحكومية العامة، ومنها: المستشفيات والمستوصفات الخاصة.
    وهذا القطاع من أخطر القطاعات، وأين ما ذهبت فتجدهم فيه ظاهرين، وتجد أعمالهم إن كنت منقباً وكان لديك عينان كما في المثل: من كان له عينان نظر بهما رأيت في كل هذه المستشفيات أعمال التنصير ماثلة للعيان، ولا داعي للتعديد أو للتفصيل، ولعلنا نذكر نموذجاً واحداً وهو الذي تذكرونه في الدرس كما نبهنا عليه، وقلنا: نرجو أن نجد من ينكر لجرأتهم ووقاحتهم، أعني المنصرين فيه، وهو مستشفى الملك عبد العزيز، ولم يحدث شيء من ذلك، فأحببت أن أذكره كمثال فقط :
    المنصرون -زعماء التنصير- في مستشفى الملك عبد العزيز:
    1- د: صارفو: أخصائي النساء والتوليد: وهو قسيس وداعية للتنصير، وتعرض بدعوته لبعض المسلمين صراحة، فدعاهم إلى الإيمان بـالنصرانية صراحة، وهو يقيم في منزله وبالاشتراك مع أصحابه اجتماعاً تنصيرياً باسم الإخوة، أو الإخوان، يجتمعون فيه لمدارسة شئون التنصير في المستشفى, وفي هذا البلد، يرافقه ويعاونه:
    2- د: بنكولي: أخصائي جراحة الأطفال، وهو يجتمع مع د/ صارفو، وزوجة الدكتور/ بنكولي تحمل على صدرها لافتة مكتوب عليها بالإنجليزية ما معناه: أنا أحب المسيح، وهذه الشعارات تباع في المستشفى ولدينا نماذج منها، وتباع ملصقات في السوبر ماركت أو السوق الصغير في المستشفى، وفيها شعارات ملصقة عن المسيح وما أشبه ذلك، وموجود منها نماذج معي أيضاً.
    3- د: لايث: أخصائي المسالك البولية، انظروا الاختصاصات! توليد، أطفال، مسالك؛ لأنهم يريدون من وراء ذلك شيئاً، ولا أظن أنه يخفى على واحد منكم، ما حصل منه في التعقيم الذي ثبت في عدة حالات وفي عدة مستشفيات؛ وهذا الطبيب لايث، كان هو وزوجته في إيران ثم في البحرين، وقد استطاعت زوجته أن تنصر أربعة من المسلمين في البحرين، ثم ذهبوا إلى جنوب أفريقيا، ثم جاءوا إلى جدة، والزوجة نشطة جداً أنشط من الزوج، فأرادت أن تعمل في مدرسة خاصة من أجل أن تنشر هذا الدين، فاستطاعت أن تتعاقد مع دار الحنان، لتدرس اللغة الإنجليزية، المحببة لدى الجميع, والتي يراد أن تكون من الابتدائي, فتحت شعار اللغة تأتي هذه المرأة التي تدعى هيلين، وتدرس في دار الحنان، ومن هنالك بدأت في أعمالها التنصيرية مع الأطفال، حتى إنها تحرص على تعلم اللغة العربية، وإقامة علاقات قوية جداً مع العاملين والعاملات في المدرسة أو في خارجها، وتأتي بأفلام تنصيرية، أو دعاية للتنصير معها، ومن الأطفال الذين تهتم بهم: أسرة إنجليزية مسلمة, يرجع الأطفال إلى أمهم المسلمة, ويسألونها: لماذا لا يوجد عندنا إنجيل مثل كتاب أولاد هيلين؟! ولماذا -يا أماه- ليس عندنا صورة لعائلة الرب مثل هيلين وأبنائها؟!!
    وهذا دليل على أنها ناجحة ونشطة في عملها هذا، وغير ذلك كثير ولا نطيل بذكر الأمثلة.
    والمهم أن المستشفيات هي أحد أوكار التنصير، ولهم أكثر من هدف في ذلك، وقد عملوا في عدة مناطق، وثبتت قضايا تعقيم قام بها أطباء أقباط، كما ثبتت أيضاً قضايا أخرى، ومنها محاولة تنصير بعض العوام من سكان المناطق النائية، ولولا أن الله تعالى قدر لتنصرت أسرة مسلمة بأكملها في إحدى المناطق، لا نريد أن نذكرها، وبعضكم يعرفها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
    أيضاً: المدينة الصناعية، وما أدراك ما المدينة الصناعية!
    - المدينة الصناعية التي في إحدى مصانعها بني مسجد وظل سنتين، والعمال المسلمون بجواره لا يستطيعون أن يصلوا فيه، ولا نسمي لكن القضية معروفة.
    يوجد بها -كما قيل- عشرون ألفا أو ثمانية عشر ألفاً أكثرهم نصارى، من العمال والمهندسين ومن الخبراء إلى آخره، يسكنون فيها، ويقومون بتنصير من يعيشون معهم من البوذيين وأشباههم، فيأتي البوذي بوذياً ويرجع نصرانياً، واكتشفت عدة شبكات للتنصير في المدينة الصناعية، بعضها إيطالي كاثوليكي، وبعضها يتبع الجمعيات البروتستانتية الأمريكية، وبعضها الأرثوذكسي.
    من الأوكار أيضاً:
    - جامعة الملك عبد العزيز, وقد تكلمنا عن هذا الموضوع، وقد وصلتنا الأدلة والإثباتات على ذلك، والمعاملة ذهبت ولا تزال تدور ولا ندري متى تنتهي، لكن هناك حقائق عن أعمال التنصير بين العاملات والعاملين في الجامعة من الفلبينيين وغيرهم، وبكل برود وعدم اكتراث، وعدم اهتمام, يبارك لهم رسمياً بأعياد الميلاد ويهنئون بها، بل ربما يحضر البعض حفلاتهم في ذلك ولا يبالون بشعائر دينهم!!
    - الخطوط السعودية، وهي وكر من أوكارهم، وأذكر لكم مثالاً واحداً فقط: الخطوط السعودية تعطي إعفاءات للأعمال الخيرية، وهذا شيء طيب في الحقيقة، لكن بعض الطيارين الأمريكان يجمعون من هذه البلاد التبرعات ويحملونها مجاناً في طيارات الخطوط السعودية، فإذا نزلوا في باكستان أو بنجلادش، أوصلوها إلى منظمة تنصيرية تستقبلهم في المطار أو يذهبون إليها، وهذا أيضاً ثابت، وتحدثنا عن هذه القضية فيما مضى، فلا نطيل وإنما قصدنا التمثيل، ويضيق الوقت عن الاستطراد.
    - المدارس الخاصة -وهذه أمرها عجيب- ففي بعض المدارس الخاصة ثبت لدينا وتواتر أنها تقوم بنشاط تنصيري مكثف، بمدرسات أمريكيات ولبنانيات وغيرهن، وأنهم يقومون جميعاً بأعمال لا منهجية: نشاطات خارج المنهج، ورحلات إلى البحر يومين أو ثلاثة أيام، ورحلات إلى مناطق أخرى، ومن خلالها يربون الأولاد والبنات على الأفكار التنصيرية تدريجياً.
    كذلك هناك معاهد التدريب، ومعاهد اللغات, ومعاهد الكمبيوتر, إلى آخره, وهي كثيرة.
    ولدي وثائق وحقائق عن كثير منها، تنتشر في جدة، ويذهب إليها الناس ليتعلموا اللغة العربية، أو الكمبيوتر، أو دورة إدارية، أو ما أشبه ذلك. وإنما يسيرون وفق خطط تنصيرية محددة الأهداف، ومبرمجة تماماً، والمناهج تدل على ذلك، والأسلوب يدل على ذلك، وسلوك المدرسين أو المدرسات يدل على ذلك، وفي النهاية يخرجون بثمرات واضحة ولا شك فيها، ولو لم يكن منها إلا الخطوة الأولى كما يقولون وهي: إخراج المسلم من دينه، ثم بعد ذلك الجيل الآخر يدخل في دينهم، وهنا تلتقي العلمانية والتنصير، أو جهود التغريب وجهود التنصير، فالتغريب خطوة إلى التنصير؛ ولذلك تتعاون المؤسسات والشبكات التنصيرية في جميع أنحاء العالم مع الحكومات, والمستعمرات، ومع وزارات الخارجية، ومع الاستخبارات الغربية؛ لأنهم يعتبرون أن هذا مقدمة لهذا, وأن هذا مصير إلى هذا، وكتاب (التبشير والاستعمار) وإن كان قديماً، لكنه مثال لعملهم الذي تطور فيما بعد وارتقى, وخاصة بعد مؤتمر كولورادوا الشهير الذي أصدر الكتاب المترجم الذي رأيتموه, الكتاب الضخم والذي لا بد أنكم اطلعتم عليه، ولديهم مؤتمر ضخم سيعقدونه بعد حوالي ثلاثة أشهر أو أربعة، لإتمام ما عقدوا من قبل.
    - كذلك الأسواق والتجارة: وهي من أهم المنافذ التي ينفذون منها.. فهم خبثاء جداً، يهمهم أن يرتفع شعار الصليب على المباني, والرخام، وعلى صدور الشباب في الملابس, وعلى صدور النساء، في حِلق الأذان, وفي الأقلام، وفي أي شيء، صورة المسيح المصلوب كما يزعمون، أو على الأقل الصليب وحده, يهمهم أن تنتشر في كل مكان؛ لأن هذا يهيئ الأذهان للتنصير مستقبلاً. وكذلك عن طريق الوكالات التجارية, وعن طريق البضائع, وعن طريق كثير من هذه المنافذ يدخلون أيضاً إلى عقول المسلمين ولا سيما المرأة.